كعادتنا في الواضيع الحارة انقلكم اليوم الى عالم الغيبيات وطرق المشعوذين والعرافين والموضوع منقول طبعا
طرق الغيب كثيرة ومتنوعة، والذي يلوذ بالسحرة يجد في جعبتهم دائما، اكثر من حل للمشكلة الواحدة، فلكي يكشف احدهم عن سر يؤرقه، يحضر الى بيته ساحرا، ويدعو عنده بنت الجيران الصغيرة، يكتب الساحر بعض العبارات السحرية على ذراعها وجبهتها ثم يوقد بعض البخور التي يلف دخانها الكثيف الصغيرة، وينتظر الوقت الكافي حتى تسقط الفتاة الصغيرة متصلبة الجسم، بعد ذلك يسألها عن الموضوع الذي من اجله قدم الى البيت: للكشف عن مصير شخص غائب، قراءة المستقبل، فضح النوايا الخبيثة لمن يتربص بهم، الخ، فتخبره الصغيرة بما اراد معرفته وهي غائبة عن الوعي.
ان الاطفال خلال المرحلة التي تسبق بلوغهم «لا يكذبون» فأقوالهم، حسب معتقداتنا الشعبية، صادقة كما هو صادق فألهم دائما وذلك نجد ان اغلب وصفات الكشف عن الاسرار المختلفة تعتمد بشكل رئيسي على مشاركتهم في الطقوس المسرحية التي يشركهم في لعبها الكبار.
وكان اليهود المغاربة عندما يريدون الكشف عن سر يبحثون عن فتاة صغيرة تكون عذراء وسنها يراوح بين 11 و13 سنة يحممونها ويلبسونها ملابس نظيفة، وفي الليل عندما تنام الطفلة يأخذون ابرة ويغسلونها سبع مرات ويغرزونها في ضفيرة شعر الصغيرة اليمنى ويحرقون قريبا من وجهها الجاوي وبعض البخور الاخرى، وعندها تنتابها حالة من الهيجان، فتبدأ في الكلام بصيغة الجمع معبرة باسم الارواح التي مستها، وتسأل الحاضرين عما يريدون معرفته فتجيبهم عنه، ان تعاون الاطفال مع السحرة من اجل الكشف عن خفايا الآخرين يعتبر شرطا اساسيا لنجاح العملية بحيث ان الاستعاضة عنهم بالكبار لا يبدو مجديا ومن المدهش ان الرحالة المغربي الحسن الوزان قد انتبه الى حقيقة ألاعيب السحرة الذين يستغلون سذاجة الاطفال، حين نقل في (وصف افريقيا) مشاهد من حلقاتهم في فاس القرن السادس عشر، حيث يقول في وصف العرافين انهم «يجعلون الماء في قدر لماع، ويرمون فيه قطرة زيت فيصير شفافا، ويزعمون انهم يرون فيه كما يرون في المراظة جماعة من الشياطين القادمين بعضهم خلف بعض كأنهم كتائب تعسكر وتضرب الخيام» ويضيف قائلا: «يضع هؤلاء العرافون احيانا القدر (قدر الماء) بين يدي الطفل، ويسألونه هل رأى الجني الفلاني او غيره، فيجيبهم الطفل الساذج بنعم، لكن لا يدعونه يتكلم وحده».
معرفة السارق
ولأن في وسع الساحر ان يقرأ الغيب من خلال تسخيره للإنس والجن، فإنه يكون مقصد من تعرض لسرقة خصوصا اذا كان المشكوك في كونه السارق ينتمي الى المحيط الاسري للمسروق ويرغب هذا الاخير بالتالي في استرجاع مسروقه بلا ضجة.
واغلب وصفات السحر التي يعملها الساحر بهذا الخصوص تتطلب مشاركة طفل او كفل ايضا، عدا عن تلك التي تعتمد على طقوس مكتوبة (طلاسم) وتبدأ لائحة الوصفات التي استطعنا تجميعها من مصادر متفرقة مكتوبة وشفوية بوصفة طريفة يقول فيها البوني: اذا اردت اظهار اسم السارق فخذ ورقة وشمعها وارمها في الماء واتل العزيمة، فتنط (تقفز) الورقة، فخذها تجد اسم السارق وتعريفه مكتوبين فيها (كذا).
اما الوصفات الشعبية فلا تقل غرابة، حيث تشير واحدة منها الى انه للكشف عن هوية السارق، يكفي ان تضع لمن تشك فيه، لسان ضفدع في خبز وتناوله اياه، وما ان يأكله حتى يسارع الاقرار بفعلته.
ويقول السيوطي انه لرؤية السارق، تأخذ بيضة دجاجة وتكتب عليها من أول سورة «الملك» الى حسير ثم تدهنها بالقطران وتعطيها لصبي ثم تقرأ سورة «يس» والصبي ينظر اليها فإنه ينظر (فيها) السارق.
ومن الوصفات الاخرى التي يزعم السحرة انها تنفع لمعرفة هوية السارق، ان تحضر طفلة بكرا (دليل الطهارة في المجتمعات العربية) وتأمرها ان تعجن فطيرا بلا ملح، وتخبزه وهي صائمة، ثم تعمل من اللقم على عدد المتهمين بالسرقة وتكتب على كل لقمة هذه الآيات: قال معاذ الله ان نأخذ الى: الظالمون ان الله لا يخفي عليه شيء في الارض ولا في السماء، واذ قتلتم نفسا الى تكتمون والسارق والسارقة فاقطعوا الى: نكالا من الله يتجرعه الى بميت ان لدينا انكالا الى أليما حتى اذا بلغت الحلقوم الى: تنظرون وتكتب كل هذه الآيات الطويلة في كل لقمة، وتطعم كل واحد من المتهمين لقمة، فمن كان بريئا اكل اللقمة وبلها، ومن كان سارقا لم يجد في فمه رقا لكي يمضغها به.
الفال
الفأل او الفال في اللغة الفصيحة هو كل قول او فعل يستبشر به او يتطير منهن ويحفل الفلكلور المغربي على غرار الفلكلور العالمي بالكثير من المعتقدات التفاؤلية او التشاؤمية ان الفأل هو ادراك سابق لما سيحصل للإنسان في اعقاب مصادفة (كلمة او حركة او لقاء سعيد او مشؤوم) وذلك بحسب تأويل المعتقدات السائدة.
ويعتبر الصباح اكثر فترات اليوم حرجا بهذا الخصوص حيث من شأنه اية مصادفة تحدث خلاله (سعيدة كانت او مشؤومة) أن تؤثر على باقي اليوم, فعندما يصادف الرجل اثناء مغادرة بيته في الصباح الباكر حيوانا او انسانا ذميم الخلقة، مثلا، فإن ذلك يعتبر فألاً مشؤوما ينذره بأن يومه لن يمر على خير وقد يدفع به حذره الى العودة الى فراش النوم ويقينه كامل في انه بذلك يتفادى مصيبة او مصائب كانت تنتظره لو اكمل مشوار يومه كما كان ينوي وثمة اشكال اخرى كثيرة من الفال، تعني في معتقد العامة تنبؤات سعيدة او مشؤومة، نكتفي منها بالامثلة التالية.
اذا تمرغ الكلب في رماد الكانون (الحفرة التي توقد فيها نار الحطب) فذلك يعني بالنسبة للفلاح ان المطر سيهطل، اما يحدق القط في صاحبه وهو يحك وبره، فمعنى ذلك ان الصاحب سيحصل على رزق وفير.
وكان المغاربة في الماضي عندما يذهبون الى الحروب يتفاءلون او يتطيرون من اي شيء يصادفهم على الطريق فإذا التقوا اسدا او خنزيرا بريا اعتبروا ذلك فألا حسنا، اما اذا صادفوا ارنبا بريا فإنهم يتشاءمون من ذلك، ويتوقفون عن المسير ويدقون اوتاد الخيام، الى ان يظهر ما يجعلهم يتفاءلون.
وتتعدد اساليب وطرق قراءة الطالع باختلاف العرافين والعرافات, ففي حضرة «الشواف» او الشوافة وهو الاسم المحلي لأهل التخصص يقع الزبائن في حيرة الاختيار بين ورق اللعب (الكارطة) او الرصاص المصهور (اللدون) او ضرب الخط الزناتي، او دعوة الارواح، او القراءة في السبحة (التسبيح) الى آخر اللائحة.
ونقدم في ما يلي اطلالة على بعض من اكثر طرق «الشوافة» تداولا,,.
الكارطة
تعتبر قراءة الطالع من خلال تفحص ورق اللعب (الكارطة) تخصصا نسائيا بامتياز تمارسه نسوة معروفات في منازلهن او في جوار بعض الاضرحة او الاسواق المتخصصة في ترويج مستلزمات السحر (كسوق جمعية بالدار البيضاء) ونظرا للمبالغ المالية الزهيدة التي تتلقاها قارئات الكارطة في مقابل خدماتهن (10 الى 20 درهماً) فإن الاقبال عليهن لا ينقطع, والملاحظ ان اسلوب عمل كل «شوافة» يختلف عن الاخرى، ولذلك سوف نكتفي بالتطرق هنا لطريقتين لاحظناهما عن قرب:
الحالة الأولى:
قامت الشوافة بخلط أوراق «الكارطة» بحركات سريعة من يديها، ومدتها للزبونة الجالس امامها في صمت، طالبة منها اختيار ورقة منها، دون ان تنظر الى شكلها، وكذلك فعلت الشابة، تطلعت الشوافة الى الورقة الممدودة اليها وبدأت تتفحص الرسم الملون المثبت عليها، ثم غيرت ملامح وجهها، فبدت حزينة وهي تخاطب زبونتها الشابة قائلة: سوف تنالين كل ما تمنيته في صغرك، لكن سوف يتسلط عليك مرض «صعيب» يا بنتي، وستموتين صغيرة؟ بدأت الزبونة تنتحب فأعادت الشوافة تكرار حركاتها وطلبت منها مجددا ان تختار ورقة اخرى، «لعل وعسى,,,» لكن اطلاعها على اختيار اليد المرتعدة للشابة جعلها لا تغير ملامح وجهها المتجهمة، واكتفت بأن اصافت قائلة: «الكارطة ما تكدبش» بمعنى انها تتشبث بكلامها الاول.
الثانية
خلطت الشوافة اوراق اللعب البالغة اربعين ورقة وخلطتها في حركة سريعة، ثم وزعتها على ثلاث مجموعات وضعتها مجددا ثم وضعتها على مجموعة ثانية من اوراق اللعب وقالت: «هذا تخمامي» ثم عاودت نفس الحركة وقالت وهي تضع يدها على المجموعة الاخيرة من الاوراق «هذا باش يأتيني الله» بمجرد انتهاء الزبونة من تسمية مجموعات الورق الثلاثين حسب اختيارها، تناولت كل مجموعة على حدة وشرعت توزع ورقاتها على الطاولة من اليمين الى اليسار, وبين الفينة والاخرى تتوقف عند ورقة معينة لتقرأ من خلالها ما يبدو انه معنى تشير اليه, وبعد ان انتهت من تشخيص حالة الزبونة من خلال قراءة «فالها» و«تخمامها» وتحديد اسباب ومصادر ما تعانيه، اتى دور اوراق المجموعة الثالثة التي كشفت لها من خلال تقليب اوراقها بعناية ما سوف «يأتيها به الله» حيث بشرتها بقرب قدوم عريس ليطلب يدها واعطتها حتى ملامحه العامة «ما طويل ما قصير» ما ابيض (البشرة) ما احمر,,, اي انه ليس لا طويل ولا قصيرها ولا ابيض البشرة ولا اسمر، الخ,,.
وعن السؤال المحرج: كيف تتوصلين الى رؤية ما لا يراه الآخرون، في مجرد اوراق لعب ملونة؟ اكتشفت «الشوافة» الأولى بتذكير السائل بأنها سبق ان اشترطت عليه عدم طرح اسئلة قبل ان تتقبل حضوره الثقيل على مضض, اما الشوافة الثانية فردت على السؤال بأن السر يكمن في موهبة ربانية، لا يعقل ولا يمكن لها ان تفصح عنها هكذا، لأي كان.
اللدون
مثل قراءة الطالع بورق اللعب، لا تبدو طريقة الرصاص المصهور قديمة جدا في المغرب، في مؤلفه الموسوعي عن السحر والدين في شمال افريقيا الذي مر على نشره زهاء قرن من الزمان، يتحدث ادموند دوتيه بصيغة الشك عن وجود عرافين يقرأون الطالع بطريقة «اللدون» في الجزائر (فقط) حيث يقول: «يوجد ايضا في الجزائر (العاصمة) فيما يبدو سحرة يتكهنون بالمستقبل من خلال تفحص صفحة الرصاص المذوب:
ومهما يكن مصدر هذه التقنية وتاريخ ظهورها بين عرافي وعرافات المغرب، فإنها اليوم من اوسع طرق قراءة الطالع انتشارا في بلادنا, وقد سبق لنا ان تطرقنا لها كتقنية سحرية تستعمل ايضا ضمن طقوس قطع التابعة في سيدي عبد الرحمن الجمار بالدار البيضاء.
ولقراءة الطالع، تقوم الشوافة بما يلي: تأخذ قطعة من الرصاص «الدون» تدورها حول رأس الزبون ثلاث مرات، ثم تلمس بها كتفه اليمنى واليسرى بعدها فالبطن جهة السرة قم القدمين وهي تغمغم اثناء ذلك كلاما لا يفهم منه الا اسم الله تعالى وبعض المقاطع من سور قرآنية، ثم تضع الرصاص في آنية معدنية فوق نار موقدة.
ولأن الرصاص لا يتطلب درجة حرارة عالية كي ينصهر فإن سرعان ما يذوب ويتحول الى سائل متحرك في الاناء اثناء ذلك تضع الشوافة سطلا به ماء بارد بين الرجلين المفتوحتين للزبون الواقف ثم تفرغ الرصاص المذاب في الماء فيتصاعد منه بخار مع جسمه, تنتظر الشوافة قليلا حتى تبرد قطعة «الدون» فتتناوله من السطل، لتقرأ في حفرها وندوبها معالم مستقبل الزبون، ويبدو ان ذكاء ودهاء الشوافة ومدى قدرتها على الاقناع، هي ما يمنحها الكلمات التي ينتظرها منها الزبائن، دائما.
الخط الزناتي
يعتبر (ضرب الرمل) او (خط الرمل) تقنية سحرية لاستقراء الغيب، ويحفظ اسرارها السحرة المحترفون, وتستمد اسمها من ممارسة قديمة كانت تقوم على رسم خطوط سحرية من خلال «ضرب الرمل» او التراب بأصبع من اصابع اليد، ثم تفحص الاثر الناتج عن الضرب ومقارنته بمجموعة من الآثار التي يتضمنها جدول سحري معلوم وبالطبع، فإن لكل اثر من تلك الآثار قراءة خاصة لما يخفيه الغيب لصاحب الاثر.
وقد عرف «خط الرمل» هذا تحت اسم اشتهر به كثيرا هو «الخط الزناتي» نسبة الى الشيخ محمد الزناتي الذي طوره ووضع له اسسا وقواعد «علمية» ضمنها مؤلفه الشهير: «كتاب الفصل في اصول علم الرمل» فتطورت الممارسة وانتقلت فيما بعد من ضرب الرمل على الارض الى «علم معقد» «يمارس بالمداد والورق ولا يفلح فيه إلا الحاذق من الفقهاء السحرة الذي يكون متمكنا من هز الخط: اي رفع الاثر وقراءته لطالب الاستشارة».
ويتضمن «علم الرمل» 16 شكلا من الاشكال التي يفترض ان يأخذها الرمل بعد «ضربه» وحتى اذا لم يأخذ احد تلك الاشكال ان ثمة قواعد معقدة تسمح للساحر بأن يعدل الاثر المحصل عليه حتى يأخذ واحدا من تلك الاشكال الستة عشرة.
ويعتبر الخط الزناتي اكثر اشكال قراءة الطالع مصداقية نظرا للهالة العلمية التي تحاط به في وسط العامة والحقيقة ان الشيخ الزناتي ومن جاء من شيوخ الحكمة قد بذلوا جهدا كبيرا في جعل خط الرمل شبيها بأبراج الكواكب والنجوم ففي مقابل اسماء الابراج الاثنى عشر اطلقوا على «اشكال الرمل من الاسماء على التوالي: الاحيان، القبض الداخل، القبض الخارج، الجماعة، الجودلة، العقلة، افنكيس، الحمرة، البياض، النصرة الداخلة، العتبة الخارجة، العتبة الداخلة، الطريق، الاجتماع، نقي الخد.
وقد ابدع الشيخ الادهمي في نظم دلالات الاشكال في ابيات شعرية، حتى يسهل حفظها فيما يبدو، ويقول مثلا في من طلع له في (هز الخط) الشكل التاسع (حسب ترتيب الاشكال في الجدول) وهو المسمى البياض وعلاماته هي ما يلي:
سوف تحظى بنيل كلا مرام