يبدو لي أن النظام العربي برمته وهو في الأصل نظام فتنة؛ قد ارتكب في الفتنة الدائرة رحاها في العراق انتحاره الجماعي، ولم يعد له من خيار سوى أن يختار الموت بمشنقة الأمريكان أو بمشنقة الشعوب، فقد انفضح سره تماما، فالنظام العربي كدويلات وأعلام أسس معظمها مابين الحرب العالمية والأولى والثانية حفاظا في إطار تأسيس الدولة الصهيونية لحماية مولجها من جهة، ولرعاية نموها من جهة أخرى، فأعلنت الرايات العربية بعد الغدر بالحسين بن علي ومشروعه الوحدوي وذلك في الجزيرة والعراق· وبعد الحرب العالمية الأولى، أعلن استقلال دويلات بلاد الشام لتحمي قيام إسرائيل عام 1948 ثم لتلغي الشعب الفلسطيني، وقد نجحت هذه الدويلات في المهمة المسندة نجاحا كبيرا، وقد شجع هذا النجاح فرنسا التي كانت تسعى لإقامة دولة مستوطنين في الجزائر على طريقة إسرائيل وجنوب إفريقيا وأستراليا، فمنحت الاستقلال لكل من تونس والمغرب لتقوم بحماية دولة المستوطنين بعد تصفية الثورة الجزائرية أو السيطرة عليها في أقل تقدير، وقد فشل المشروع الفرنسي في المغرب العربي بينما نجح المشروع البريطاني - الأمريكي في المشرق وصارت إسرائيل اليوم قوة، هي التي تحمي الدويلات التي أقيمت لحمايتها أصلا· وهكذا أنهى النظام العربي دوره بيديه ولم يعد للدول الكبرى حاجة إليه، فالنفط يصل وإسرائيل تحميه، فما هي الضرورة إذن لهذه الأعلام وهذه الحكومات، خاصة وأن الوحدة العربية التي كانت تخيف القوى الكبرى سواء وحدة المشرق مع المغرب أو وحدة كل إقليم لوحده كوحدة وادي النيل أو وحدة المغرب العربي أو وحدة الهلال الخصيب صارت حكايا من الماضي على المستوى السياسي، فإسرائيل هي التي تقرر اليوم خريطة الوطن العربي كما قررتها الحركة الصهيونية مع سايكس - بيكو،
إذن فالعروش العربية والدول العربية أصبحت عروشا وأعلاما فائضة عن الحاجة، فالحاجة الوحيدة إليها اليوم هي مواصلة الفتنة ليس بين بعضها البعض كما حدث بين الكويت والعراق في ستينيات وتسعينيات القرن الماضي ولا كما حدث بين المغرب والجزائر في ستينيات القرن الماضي أيضا، بل أن هذه الفتنة التي يقوم بها النظام العربي اليوم هي كسر الوحدة في نفوس مواطنيه وتقسيمه إلى طوائف وإثنيات دينية وعرقية، وما قامت وتقوم به الدول العربية اليوم في العراق من تحريض للسُّنة على الشيعة والشيعة على السُّنة والمسلمين على النصارى إلا عملية انتحار يمارسها النظام داخل بيته، ففي السعودية شيعة كما في ا لعراق وفي سورية سُنة، كما في لبنان، بل دخول إيران وتركيا على خط اللعبة الطائفية الدينية والعرقية لايعني سوى الاستغناء عن النظام العربي مشرقه ومغربه حتى في هذه اللعبة·
ومن المؤكد أن اختيار أمريكا لتوقيت شنق صدام حسين لم يكن كما ذهب كثير من المعلقين العرب بل كلهم إلى أنه إهانة دينية، فالاستراتيجية الأمريكية لا تتعامل في السياسة مع العواطف، بوش وجه إلى الحكام العرب قبل اجتماعهم في الرياض في مارس القادم في قمتهم الدورية، عليهم الدخول جماعة في بيت الطاعة الأمريكي والقيام بكل ما هو مطلوب منهم وأقله الاعتراف بإسرائيل أو أنه سيشنقهم كما شنق صدام أو يسلمهم لشعوبهم كما يفعل اليوم، فهو كما سلم صدام للشيعة ها هو يسلم المالكي للشيعة، لقد فاتت الفرصة على الحكام العرب سواء في أكبر دولة عربية كمصر أو أصغرها كجزر القمر وفاتت الفرصة على الأحزاب العربية الوطنية والقومية واليسارية وحتى الأحزاب والجمعيات المسنودة من القوى الدولية في أن تختار، فقد انتحر الجميع بممارستهم للفتنة طوال قرن من الزمان والتحرك الوحيد الباقي هو تحرّك الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وهو الذي سيشنق البقية الباقية من الحكام العرب التي يتأخر حبل الأمريكان في الالتفاف حول رقابها· وفي الرياض في مارس القادم - إن عقدوا قمتهم أو قيامتهم- سنعرف المشنقة التي يختارونها، هل